عشر
وسائل مؤثرة في التربية بالحب وتطبيقات نبوية
|
|
======================================================================
|
التعامل كأصدقاء:
-------------------------
سواء مع أبنائنا أو طلابنا أو الناس، أو كل من نتعامل معهم بالحب، كيف تكون العلاقة، وكيف يكون الأثر, حينما نتعامل كأصدقاء؟
فلماذا يتعجل البعض، أو يفرق في المعاملة؟
فالأصدقاء شأنهم غير شأن الآخرين، إنهم يعتذرون
عند الخطأ، ولا يعيبهم أن يصححوا
مواقفهم، ولا يضعفهم الاعتراف بالعيب، ولا يقسو بعضهم على بعض، فسر نجاح الأصدقاء الحب.
وهذا ما كان يدفع الأصحاب رضوان الله عليهم في أن يستفسروا ويتحاوروا ويناقشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كصديق حبيب، في ثقة
متبادلة، فيكلمونه بلا خجل، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله"، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أعلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها"، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: "تعين ضائعًا أو تصنع لأخرق"، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: "تدع الناس من الشر فإنها صدقة بها على نفسك" (رواه البخاري).
الملاطفة والعطف:
--------------------------
التأكد من السبب الحقيقي وراء أي تصرف من الآخرين، يجعلك أكثر لطفًا وتعاطفًا، في مساعدتهم بكل الطرق المناسبة، في تأكيدك لهم
أنهم يستطيعون الحصول على مبتغاهم بطرق
سهلة وميسرة، خاصةً أن جوهر التربية المؤثرة في القدوة، فهم يقتدون بكلامك ومواقفك، فالإكثار من كلمات (ممكن- من فضلك- لو
سمحت)، تعمل عمل السحر في النفوس، ويا
حبذا لو خالطها التبسم والبشاشة والهشاشة، روى أنس بن مالك أن رجلاً سأل النبي صلى عليه وسلم فأعطاه غنمًا بين جبلين، فأتى قومه
فقال: أي قوم أسلموا فوالله إن محمدًا
يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
فكان الإحسان طريقًا لغرس الحب بأسلوب العطاء، بوسائله السحرية من الملاطفة والعطف والكرم.
الاحتضان والقبلة والعناق:
-------------------------------------
هل من العيب فعل هذه المؤثرات التي تنفذ إلى الأعماق؟ خاصةً لأطفالنا إن كبروا، ولأصدقائنا إن أقبلوا، ولأحبابنا من الناس إن
تعاملنا معهم؟ العجيب أن البعض لا يزال
يخجل من فعل ذلك، والأولى بالمربين فعلها حتى لا يتركوا الآخرين فريسةً لعواطف المصالح أو مشاعر المنافع؛ ولذلك لا بد أن
تكون هذه المهارات صادقة، ولا يتأكد صدقها
إلا بالممارسة والتطبيق، فقد ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه إذا رأى ابنته السيدة فاطمة، قام إليها هاشًا باشًا مرحبًا
بها، ويوسع لها في المجلس، ويقبل
يدها قبلة الحب والمودة والحنان.
لقد قبّل النبي صلى الله عليه وسلم أحد سبطيه الحسن أو الحسين، وكان الأقرع بن حابس جالسًا، فقال: أتقبلون صبيانكم؟ والله
إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدًا
منهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك"!.
لمسات الحب:
---------------------
كما تبين لنا الفوائد العظيمة للمسة الحب، وربما يكون في التوجيه النبوي ترغيب في تحقيق هذه اللمسة، (عندما سئل إذا التقى
المسلمان يتعانقان؟ قال: لا،
أيتصافحان؟ قال: نعم)، يتصافحان، حيث تتساقط ذنوبهما عند المصافحة، فلماذا يتباعد الناس وهم في أمس الحاجة إلى بعضهم، ولذلك
فعنوان التقارب في هذا التلامس، الذي
لسان الحال فيه يقول: أنا أنت وأنت أنا، وبهذا التلامس يظل الأثر محفورًا ومحفوظًا ولا يُنسى بحال، عن عبد الله بن عمر رضي الله
عنه، قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، تأمل قول ابن عمر: أخذ رسول الله بمنكبي، وكان صلى الله عليه وسلم يقدم بين يدي اللمسة إثارة الحواس وانتباه
المشاعر وجاذبية الكيان: عن أبي سعيد بن
المعلّى قال: كنت أصلى في المسجد فدعاني رسول الله صلى عليه وسلم فلم أجبه فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، فقال: ألم يقل الله: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 24)، ثم قال لي: لأعلمنك سورة
هي أعظم السور في القرآن قبل أن
تخرج من المسجد، ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل: لأعلمنك سورة هي
أعظم سورة في القرآن، قال "﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)﴾ (الفاتحة)، هي السبع المثاني والقرآن الذي أوتيته"، فتأمل قول أبي سعيد: ثم أخذ بيدي، وانطلاق حاله ولسانه بالإفصاح عن تساؤله.
الاحترام والتوقير:
---------------------------
لماذا نصرخ؟ فيتربى من يتعامل معنا على الرد بالصراخ، ظانًّا منه أن هذا هو الأسلوب الأمثل؟ لماذا لا نسهل على أنفسنا عناء
الانفعالات ونقدر ونحترم الآخرين؟
إن استخدامنا لألفاظ تشعر المتربي باحترامه وتُعلي من قيمته، تجعله يلبي كل ما يُطلب منه، في هدوء واستجابة فورية، لسبب واحد أننا
لم نجبره على صنيع معين، أو فعل بعينه،
بلى كل ما نعده به نطبقه ونجعله واقعًا حيًّا يراه ويلمسه، فيعمل في راحة
ونشوة، بعيدًا عن المشاجرات والصيحات والصوت العالي والانفعالات والمعارضات
والانتقادات، بل ويتقبل كل ما تنصحه به في سعادة وبهجة، ولذلك فمن التأثير الساحر للاحترام والتقدير البدء بذكر المحاسن
والمآثر أولاً ثم النصح، فأسلوب المدح يفتح
الأبواب في ثقة نحو التوجيه العملي، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن عمر في قوله: "نعم الرجل عبد الله بن عمر لو كان يصلي من الليل" (متفق عليه).
مخاطبة العواطف:
-----------------------------
من تأثيرات الأسلوب العاطفي: شعور الآخرين باهتمامك بهم وبأحداث حياتهم، وإحساسهم بأنك معهم تشاركهم تفاصيل أوقاتهم وأسرار
حياتهم، فيندمجون معك في كل حين،
مما يزيد رصيدك في بنك الحب لديهم.
ومن وسائل مخاطبة العواطف: الحديث الودي المنفرد، وممارسة بعض التمرينات الرياضية معًا، والاحتفاء بكل إنجاز يتحقق على أيديهم،
والمشاركة الشعورية في الظروف
المختلفة، وعدم الانشغال عنهم، وهم يتحدثون، بل النظر في أعينهم، مع التركيز الشديد، والتحدث على موائد الطعام بالمناسب
والممتع من الكلام، والافتخار بمواقفهم مهما
كانت متواضعة، وتبادل كلمات الحب وإعلامهم بمقدار حبك لهم، بدون شروط أو مقابل، والتغذية الدائمة لهذا الحب بالرسائل والهاتف
والهدايا وكل مبتكر، لتقوية مشاعر الحب
بينكم.
وتأمل هذا المشهد: عن عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بمال فأعطى رجالاً وترك رجالاً، فبلغه أن الذين ترك
عتبوا، فحمد الله ثم أثنى عليه، ثم قال: "أما بعد فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إليّ من الذي أعطي، ولكني إنما أعطي
أقوامًا لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكِل أقوامًا إلى ما جعل الله في
قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب"، قال عمرو بن تغلب: "فو الله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم".
ويكفي في هذا المشهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم، تدارك المشكلة فورًا، بهذا الأسلوب العاطفي، الذي أطـلق عليه البعض:
(التربية بالحـب العلني).
تحفيز الهمم:
-----------------
إثارة الحماس للعمل، وتحفيز الهمم، وإلهاب الجوارح نحو الحركة، واكتساب السلوكات المنضبطة، ليس كما يظن البعض أن كل ذلك ليس
من الحب، فهذا أمر آخر، الحب فيه لا
يكفي، وقد يطلق البعض مقولة:
(الحب وحده لا يكفي)، وقد يعني بذلك المطالبة بالحسم
والزجر والنصح والعقاب المناسب.
وقد اتضح بالتجربة العملية والواقع الميداني، أن التحفيز والتشجيع والحركة، لا تعتمد على الكلام والأقوال، بل هي تربية قائمة أساسًا على الحب، وتأمل هذا المشهد، (عن سهل بن سعد قال: إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر يقول: "لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه"، فقاموا يرجون ذلك، أيهم يُعطى، فغدوا كلهم يرجو أن يُعطى، فقال صلى الله عليه وسلم: "أين علي؟"، فقيل: يشتكى عينيه، (فأمر فدعا له فبصق في عينه، فبرأ مكانه، حتى كأنه لم يكن به شيء) متفق عليه.
ولذلك فنحن نتساءل: لولا هذا الحب هل كان يرجو كل صحابي أن يُعطى هذا الشرف؟، وهل إذا تخلى أسلوب التحفيز من الحب كان بهذه
الدافعية؟ وهل في عدم تسمية القائم بالعمل
إن لم يكن الحب متوفرًا كان الشأن بنفس هذا التنافس؟ هل إذا غاب الحب كان يتحقق هذا النجاح في التسابق، حتى دفعهم ذلك لقولهم
عن عليّ: يشتكي عينيه؟!.
التفقد والتعارف:
------------------------
التفقد والسؤال الدائم عن أحوال الآخرين، بل ومفاجأتهم بالتعرف على أحوالهم وأبنائهم ومشاكلهم، كل ذلك علامة على نجاح الحب،
وتمكنه، فإن افتقد فالثقة تبدأ
بالنقصان، ولإكمال النجاح يجب أن يُوزع هذا التفقد للجميع بدرجة متساوية، حتى لا يصنع الميل لأحد دون أحد، نقطة ضعف قد تفتح أبوابًا
من المشاكل النفسية لا حصر لها.
ومعنى التفقد الحقيقي ما كان عمليًّا وقائمًا على الحب، الذي يحقق الاحتواء العاطفي، وإشعار الآخرين بالقبول، والاستيعاب النفسي
والعاطفي، والتعامل بالرفق دون جرح
للمشاعر، وتأمل هذا المشهد:
قال محمد بن سعد: أتى واثلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى معه الصبح، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى وانصرف
تصفح أصحابه، فلماذا دنا من واثلة قال: "مَن أنت؟" فأخبره، فقال: "ما جاء بك؟" قال: جئت أبايع، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيما أحببت وكرهت"، قال: نعم، فأسلم وبايعه.
فقد كان من فقه النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار الوقت المناسب للتفقد بعد صلاة الصبح، مما يجعل التعرف على الجديد أمرًا
ظاهرًا وسهلاً، وهكذا حتى الإسلام
والبيعة عليه، تقوم على الحب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لواثلة: "فيما أحببت وكرهت".
التبسط والمزاح:
------------------------
هل من أجل إنجاح التربية لا بد من التهجم والعبوس؟ وهل من أجل أن تكون التربية مؤثرة ممنوع علينا المزاح؟.
لقد تأملت مشهدًا، كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم في السوق، وقد أتى من خلف أحد الصحابة وكان دميمًا وكان اسمه زاهرًا،
فاحتضنه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ونادى في السوق: "من يشتري هذا العبد؟" فانتبه زاهر لصوت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ستجدني إن شاء الله كاسدًا يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تجمع الناس:
"ولكن المؤمن ليس بكاسد عند الله".
أليس الحب هو البطل في هذا المشهد؟
وأليس البطل في هذا المزاح الخفيف القائم على الحب؟
وأليس في هذا التبسط وبهذه الحركة الرشيقة؟
فالحب لا ينمو إلا حينما يكون طبيعيًّا وليس مصطنعًا أو متكلفًا، فيؤثر بالغ الأثر في الآخرين.
وهذا مشهد آخر يرويه أبو سعيد الخدري يقول:
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال: "
لا والله ما أخشى عليكم أيها الناس إلا ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا!".
فقال رجل: يا رسول الله أيأتي الخير بالشر؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم قال: "كيف قلت" قال: قلت يا رسول الله أيأتي الخير بالشر؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الخير لا يأتي إلا بخير أو خير هو" ثم قال: فمن يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه،
ومن يأخذ مالاً بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع، أرأيت كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم طبيعيًّا في صمته، ويستعيد
السؤال، حتى يفهم الجميع ويستوعبوا
الأمر، ويضرب المثل ليقرب المعنى، فالحب يدفع الإنسان للتخفيف والتفهيم لا
التعقيد والإرهاق.
الدعاء للآخرين لا الدعاء عليهم:
-----------------------------------------
قد يغفل الكثير من المربين عن هذا السلاح المؤثر، إنه يزود الإنسان بشحنة جارفة من العاطفة، فهو الوقود الذي يحرك العواطف،
ويقوى به الحب، والفرق بين الدعاء للناس
أو الدعاء عليهم، مثل الفرق بين السماء والأرض في استقبالهم للدعاء، فالأول
يمنحهم قوةً وإقدامًا، بينما الثاني يدعوهم إلى القعود والكسل واليأس والتذمر،
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو الإنسان على الآخر، سواء كان ابنه أو ماله أو نفسه، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تدعو على أنفسكم، ولا تدعو على أولادكم، ولا تدعو على خدمكم،
ولا تدعو على أموالكم، لا توافقوا من
الله ساعة، فينزل فيها إعطاء، فيستجاب لكم".
لقد كان نبي الله يعقوب، برغم ما فعله أبناؤه، لا يفتر يدعو لهم وليس عليهم في قوله تعالى: ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ
لَكُمْ رَبِّي﴾ (يوسف: من الآية 98).
والدعاء للآخرين يساعدهم على تجاوز العقبات وملازمة البر والطاعة، فتهيئة الأجواء المناسبة، بهذا الهدوء النفسي، ينشط صاحبه
في الاستجابة للأمر ويجعله سهلاً
ميسرًا، مما يؤهله للنجاح في الحياة.
وتحين الأوقات المناسبة يزيد من التأثير وهذا مشهد يرويه أنس يقول: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه
النبي صلى الله عليه وسلم، يعوده فقعد
عند رأسه، فقال له: (أسلم)، فنظر إلى أبيه وهو عنده؟ فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم،
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه من النار"
أرأيتم كيف كان كان هذا الغلام يقوم بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدعه إلى الإسلام، إلا بعد أن تحين هذه الفرصة
الغالية، حيث الرقة في قلبه، والقرب من ربه،
لمرضه، ويكتمل الدعاء المؤثر إذا ما كان صادقًا، أي موجهًا لهداية الناس وإنقاذهم من النار.
|
الأربعاء، 6 مارس 2013
عشر وسائل مؤثرة في التربية بالحب وتطبيقات نبوية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق